العقوق الأكبر
النصراني يقول إن الإنجيل من عند الله وهو صادق، وكذلك يقول اليهودي فالتوراة كتاب الله نزله على موسى عليه السلام.
﴿كُلُّ الطَّعامِ كانَ حِلًّا لِبَني إِسرائيلَ إِلّا ما حَرَّمَ إِسرائيلُ عَلى نَفسِهِ مِن قَبلِ أَن تُنَزَّلَ التَّوراةُ قُل فَأتوا بِالتَّوراةِ فَاتلوها إِن كُنتُم صادِقينَ﴾ [آل عمران: ٩٣]
﴿إِنّا أَنزَلنَا التَّوراةَ فيها هُدًى وَنورٌ يَحكُمُ بِهَا النَّبِيّونَ الَّذينَ أَسلَموا لِلَّذينَ هادوا وَالرَّبّانِيّونَ وَالأَحبارُ بِمَا استُحفِظوا مِن كِتابِ اللَّهِ وَكانوا عَلَيهِ شُهَداءَ فَلا تَخشَوُا النّاسَ وَاخشَونِ وَلا تَشتَروا بِآياتي ثَمَنًا قَليلًا وَمَن لَم يَحكُم بِما أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الكافِرونَ﴾ [المائدة: ٤٤]
﴿وَلَو أَنَّهُم أَقامُوا التَّوراةَ وَالإِنجيلَ وَما أُنزِلَ إِلَيهِم مِن رَبِّهِم لَأَكَلوا مِن فَوقِهِم وَمِن تَحتِ أَرجُلِهِم مِنهُم أُمَّةٌ مُقتَصِدَةٌ وَكَثيرٌ مِنهُم ساءَ ما يَعمَلونَ﴾ [المائدة: ٦٦]
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا، أين التوراة والإنجيل، بعد أن لم يعد أحد من أهل الأرض يتحدث اللغة التى نزلت بها هذه الكتب السماوية؟
﴿إِنّا عَرَضنَا الأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالأَرضِ وَالجِبالِ فَأَبَينَ أَن يَحمِلنَها وَأَشفَقنَ مِنها وَحَمَلَهَا الإِنسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلومًا جَهولًا﴾ [الأحزاب: ٧٢]
لم يكن اليهود أهل أمانة فضاعت منهم اللغة التي نزلت بها رسائل الله على أنبيائه من بني إسرائيل. وعندما اصطفى الله تعالى العرب بأن أنزل القرآن بلغتهم وعلى رجل منهم، أبى اليهود واستنكفوا واستكبروا...
﴿بِئسَمَا اشتَرَوا بِهِ أَنفُسَهُم أَن يَكفُروا بِما أَنزَلَ اللَّهُ بَغيًا أَن يُنَزِّلَ اللَّهُ مِن فَضلِهِ عَلى مَن يَشاءُ مِن عِبادِهِ فَباءوا بِغَضَبٍ عَلى غَضَبٍ وَلِلكافِرينَ عَذابٌ مُهينٌ﴾ [البقرة: ٩٠]
وقد يعلم بعضنا كيف حافظ العرب على لغتهم وهم أهل أمانة... والملاحظ لما يجري الآن، لا يسعه إلا أن يردد كلمات ابن اللغة العربية البار، حافظ إبراهيم:
فيا وَيحَكُم أبلى وتَبلى مَحاسِني
ومنْكمْ وإنْ عَزَّ الدّواءُ أساتِي
فلا تَكِلُوني للزّمانِ فإنّني
أخافُ عليكم أن تَحينَ وَفاتي
واللغة أم، وهجرها عقوق وما أشده من عقوق وهي اللغة التى نزل بها القرآن الكريم على محمد صلى الله عليه وسلم والتفريط فيها وعقوقها ضياع لكتاب الله...
أنا البحر في أحشائه الدر كامن
فهل ساءلوا الغواص عن صدفاتي
أما عاد في البلاد رجال أبرار... إن كان التفريط في العربية هو ضياع لآخر كتاب نزل من عند العلي القدير، فإنى لا أرى برا أعظم من بر اللغة العربية، ولا عقوقا أقبح من عقوق لغة العرب...
عمر بحر، إستنبول، بين غدوة وضحى الإثنين، العشرين من جماد الأول للعام الخامس وأربعين وأربعمائة بعد الألف من هجرة خير الأنام لإقامة دولة تقاتل من أجل أن تكون كلمة الله هي العليا ويكون الحكم والدين كله لله رب العالمين.